مقالات

“لص الكهرباء” و السقوط في فخ مزايدات منع الجوازات عن قيادات القوى المدنية

د. سامر عوض حسين

كان أجدر بالصحفي المدعو عبد الماجد عبد الحميد مناقشة مسألة حرمان مناضلين وطنيين من الجوازات السودانية بدون وجه حق أو قانون مع العلم بأنه لم تسقط منهم الجنسية بدلاً عن هذا الحديث الممجوج فارغ المضمون.

كان أجدى به “أخلاقياً” أن يناقش مسألة حرمان هؤلاء الأبطال من جوازاتهم السودانية دون سندٍ قانوني، رغم أنهم لم تُسقط عنهم الجنسية، بدل الانزلاق إلى أحاديثٍ باطلة لا تمت للمهنية بصلة.

إن تحويل ملف اللجوء السياسي إلى أداة للتشهير، يُظهر افتقارًا للمسؤولية الأخلاقية والمهنية، لأن اللجوء في ذاته ليس تهمة ولا دليل خيانة، بل هو أحد تداعيات الحرب والاضطراب السياسي والاقتصادي الذي دفع آلاف السودانيين إلى الهجرة.

إن مناقشة منع مواطنين سودانيين عن حقهم الدستوري في الحصول على أوراق ثبوتية ووثائق سفر، هو “واجب وطني” حتى يرعوي كل سلطوي عن العبث بالمقدرات الدستورية للمواطنين، و تجريم هذا الفعل واجب اخلاقي على أي ناشط حقوقي، وبالأحرى هو واجب مقدس للصحفيين، الذين يفترض أنهم حملة لواء الحريات العامة والتنوير.

من الواضح أن عضو مجلس السيادة الشرعي القيادي بالتجمع الاتحادي محمد الفكي سليمان، و امين عام تحالف صمود السيد الصديق الصادق المهدي لم يكونا الهدف بذاته، بل بوصفهما رموزًا للتيار المدني الداعي للحوار والسلام وإنهاء الحرب. فاستهدافهم يندرج ضمن مشروع أوسع لتشويه القوى المدنية وإضعاف ثقة الشارع بها، وهو النهج الذي اتبعته النظم السلطوية منذ عهد الإنقاذ وحتى اليوم، حين يُستخدم الإعلام كسلاح لتصفية الحسابات بدلاً من أن يكون أداة لبناء الوعي العام.  ففي منشور على صفحته بموقع “فيسبوك”، عاد الصحفي عبد الماجد عبد الحميد إلى ممارسة هوايته المفضلة  في إثارة الجدل عبر خطاب الاتهام والتخوين. هذه المرة اختار أن يوجه سهامه نحو شخصيات مدنية وسياسية بارزة في تحالف صمود، في مقدمتها صديق الصادق المهدي، ومحمد الفكي سليمان . متحدثًا عن قائمة تضم 42 من الموصوفين بـ”المناصرين والداعمين السياسيين لميليشيا التمرد”، زاعمًا أنهم تقدموا بطلبات لجوء سياسي إلى دول أوروبية.

 

في الوقت الذي يتحدث فيه المدعو المأجور عبد الماجد عبد الحميد عن الشرف والنزاهة وكأنه وصي على ضمائر الناس، تظهر أمامنا حقائق لا يمكن تجاهلها عن ماضيه القريب.

فالمذكور، الذي يحاول اليوم التنظير عن الوطنية والنزاهة، تلاحقه روايات من جيرانه وأبناء منطقته تشير إلى تورطه سابقاً ورسمياً في ممارسات غير قانونية تتعلق بالتحايل على موارد الدولة واستغلال الكهرباء العامة دون وجه حق. أي بالبلدي كدا “حرامي كهربا”. الحقيقة أن من تجرأ يوماً على خيانة الأمانة العامة لا يحق له أن ينصب نفسه قاضياً على شرفاء الوطن من سياسيين أفنوا أعمارهم في خدمة بلادهم بصدق وتجرد.

 

ورغم أن المنشور لم يقدم أي وثائق أو مصادر موثوقة، فقد تم تداوله على نطاق واسع في بعض المنصات، في مشهد يعكس مدى هشاشة الخطاب الإعلامي السوداني الراهن، القائم على الانفعال أكثر من التحليل، وعلى التلميح أكثر من الإثبات. ويُصرّ عبد الماجد في معظم أطروحاته على تبني أسلوب يقوم على تأليب الرأي العام ضد القوى المدنية، عبر لغة تُغلف الاتهام السياسي بمظهر “التحقيق الصحفي”. غير أن المتتبع لمجمل كتاباته يدرك أنها لا تسعى إلى كشف حقائق بقدر ما تهدف إلى نزع المشروعية عن خصومه السياسيين، وتجريم من يختلف معه في الموقف أو الرؤية.

 

 

أما الإشارة إلى “قائمة أربعينية” تضم أشخاصًا من “الأقارب والمحاسيب” كما ذكر، فهي محاولة لتعميم الشبهة وتشويه المعارضة المدنية بالجملة، عبر خطاب قائم على الغمز والتلميح دون دليل واحد ملموس. هذه الطريقة لا تخدم سوى أجندات الإقصاء، وتغذي الانقسام الاجتماعي والسياسي في وقت يحتاج فيه السودان إلى كل صوت يدعو للوحدة والعقلانية.

 

لم يكن ذكر محمد الفكي سليمان في المنشور صدفة؛ فهو أحد الوجوه التي ارتبطت بثورة ديسمبر المجيدة وبمشروع الدولة المدنية. الزج باسمه في حديث عن “تقديم طلبات لجوء سرية” لا يعدو أن يكون محاولة لتقويض الرمزية الثورية التي يحملها، وتشويه الصورة الأخلاقية لقيادات قوى الحرية والتغيير أمام الرأي العام. هذا النمط من الخطاب، الذي يخلط بين النية السياسية والمعلومة المفترضة، يسعى إلى إفراغ فكرة الثورة من مضمونها، وتحويلها إلى صراع شخصي بين أفراد، لا مشروع وطني بين قوى.

 

إن أخطر ما في منشور عبد الماجد عبد الحميد ليس الاتهام ذاته، بل المنهج الذي يمثله: تحويل المنصات الشخصية إلى منابر لبث الكراهية والاتهامات بلا أدلة. هذا السلوك يهدد جوهر المهنة الصحفية التي تقوم على التحقق والتوازن، ويسيء إلى صورة الإعلام السوداني في وقت حرج تمر به البلاد. فحين يتحول الإعلامي إلى فاعل سياسي انفعالي، ويستبدل أدوات التنوير بأدوات التشهير، فإنه يتخلى عن دوره المهني ويتحول إلى طرف في الأزمة بدل أن يكون جزءًا من الحل.

 

اليوم والسودان يمر بأصعب مراحله منذ الاستقلال، يحتاج الوطن إلى إعلام مسؤول يوحد ولا يفرق، يبني ولا يهدم. خطاب مثل الذي يقدمه عبد الماجد عبد الحميد لا يخدم سوى قوى الظلام التي تتغذى من الشقاق، ولا يضيف شيئًا إلى وعي المواطن سوى المزيد من البلبلة والتشكيك.  إن معركة السودان الحقيقية ليست بين من بقي في الداخل ومن لجأ إلى الخارج، بل بين مشروع دولة مدنية ديمقراطية تسع الجميع، وبين نهج الكراهية والإقصاء الذي يمثل امتدادًا لخطاب الإنقاذ وأذرعها الإعلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى