رانيا حسن.. حكاية ممرضة هزمت إنقسام الحرب ووحدت شعوب السودان
خرطوم هايلايت
في احدى ليالي تبوك الساخنة، وجدت الممرضة السودانية رانيا حسن نفسها امام مأزق لم تتخيله، خطأ طبي اثناء عملها في قسم العناية المركزة، انتهى بحكم قضائي قاس، غرامة مالية تصل الى 800 الف ريال سعودي “ما يعادل نحو 700 مليون جنيه سوداني” تسدد خلال خمسة ايام فقط، كان المبلغ اكبر من اي قدرة شخصية اشبه بباب انغلق على حياة شابة لا تملك سوى راتبها.
لكن القصة لم تنته عند هذا الحد، فقد خرج خبر رانيا الى فضاء منصات التواصل الاجتماعي وتحول سريعا الى قضية وطنية في زمن الحرب والتشرد وفي ظل الغلاء وضيق العيش تدافع السودانيون و أياديهم ممدودة بالعون في الداخل كما في المنافي في الخارج، و في البيوت الضيقة انطلقت مبادرات جمع التبرعات لم يسأل احد عن قبيلتها ولا عن مدينتها ولا عن اسمها الكامل كان السؤال واحدا كيف ننقذ رانيا، وخلال ساعات قليلة اغلق الجرح المالي وتحول الخوف الى فرح مشترك والقلق الى احتفاء جماعي.
هذه اللحظة لم تكن عابرة كانت اشبه بمرآة عاكسة لما هو اعمق من حادثة خطأ طبي ففي الوقت الذي تصوغ فيه حكومتا الامر الواقع في بورتسودان ونيالا خطاباتهما بلغة الانقسام يبتكر الناس في تضامنهم اليومي صيغة اخرى للوطن السلطة تصدر قوانين مثل الوجوه الغريبة لتضييق العيش على مجموعات سودانية بعينها وقائد قوات الدعم السريع يعلن استهدافه لمناطق وقبائل من شمال السودان بينما يبرهن الناس ان هويتهم ليست اسيرة لهذه الجغرافيا الضيقة.
قصة رانيا جاءت لتقول شيئا ابسط واكثر صدقا ان السودانيين حين يواجهون المحكات الحقيقية يتداعون بلا سؤال عن القبيلة او الاقليم انهم يختارون انقاذ الانسان قبل كل شيء وهنا يكمن الفارق بين خطاب السلطة وخطاب الشارع.
لقد برهن السودانيون باندفاعهم العفوي لمساندة ممرضة غريبة عن معظمهم ان خطاب الكراهية مهما تضخم يظل هشا امام ابسط تجليات التضامن ففي تبوك او في الخرطوم او في اي بقعة من العالم هناك خيط غير مرئي يشدهم لبعضهم ويعيد صياغة معنى الانتماء وطن يتجاوز القبائل ويكتب بافعال الناس لا ببيانات الساسة.



