مقالات

دارفور.. إنصاف مفتوح على جرح العدالة الغائر

من على الشرفة

طاهر المعتصم

كم من ذوي الضحايا سينوم قرير العين وعدالة الارض تتحقق بعد عقدين من الزمان، وكانوا يظنون كل الظن ان ادوات الأنظمة الحاكمة محمية من القانون، و أن ارتكاب الجرائم بأمر الانظمة غير خاضع للقانون، وأن الإفلات من العقاب امر سهل، وأن للمستضعفين في السودان املا في العدالة إن لم تتوفر في ظل الانظمة الشمولية التي تحمي المجرمين
في خطوة اعتبرها المراقبون لحظة فاصلة في مسار العدالة الدولية، أدانت المحكمة الجنائية الدولية القائد الميداني السابق في ميليشيات الجنجويد علي محمد علي عبد الرحمن، المعروف بـ”علي كوشيب”، بارتكاب 27 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في إقليم دارفور غربي السودان بين أغسطس 2003 وأبريل 2004.
وجاء القرار بعد جلسات استماع مطوّلة استعرض فيها القضاة أدلة وشهادات مروّعة عن الانتهاكات التي شهدتها قرى مكجار وديليج وكودوم وبنديسي، والتي كانت مسرحًا لعمليات قتل جماعي وتعذيب واغتصاب وتهجير قسري.
المحكمة أكدت أن كوشيب ارتكب جرائم القتل والتعذيب بوصفها جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، كما أدانته بجريمة الاعتداء على الكرامة الشخصية كجريمة حرب، والاضطهاد بوصفه جريمة ضد الإنسانية
وأشارت هيئة المحكمة إلى أن كوشيب كان شريكًا أساسيًا لقوات الجنجويد وقوات الحكومة السودانية وقتذاك في تنفيذ هجمات استهدفت المدنيين العزّل، و أنه أصدر أوامر مباشرة بتنفيذ أعمال قتل وتعذيب ونهب وتدمير قرى بأكملها، فضلًا عن الترحيل القسري للسكان من مناطقهم.
وثّقت المحكمة مقتل ما لا يقل عن 200 أسير ومعتقل خلال العمليات العسكرية في مكجار وديليج ، بعضهم أُعدم ميدانيًا أو تعرّض لتعذيب وحشي في مراكز الاحتجاز، وقد رأت المحكمة أن هذه الأفعال تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف
رغم أن الحكم النهائي بشأن العقوبة لم يُعلن بعد، إلا أن إدانة كوشيب بحد ذاتها تُعدّ إنجازًا تاريخيًا للعدالة الجنائية الدولية، وأول إدانة في سياق جرائم دارفور منذ أن أصدرت المحكمة أوامر توقيف بحق مسؤولين سودانيين في عام 2009، هلى رأسهم الرئيس المعزول عمر البشير زعبدالرحيم محمد حسين واحمد هارون ضمن قائمة تضم 51 متهم.
ويرى خبراء القانون الدولي أن هذه الخطوة تمثل رسالة قوية مفادها أن الإفلات من العقاب لم يعد ممكنًا، وأن الجرائم التي تُرتكب ضد المدنيين في النزاعات المسلحة ستظل محل مساءلة مهما طال الزمن أو تبدلت الأنظمة السياسية.
إدانة كوشيب تثير من جديد النقاش حول مدى قدرة المحكمة الجنائية الدولية على تحقيق العدالة الشاملة والمنصفة في ملفات معقدة مثل دارفور، حيث لا تزال بعض القيادات المتهمة الأخرى خارج قبضة العدالة.
ويؤكد حقوقيون أن تحقيق الإنصاف لضحايا دارفور يتجاوز مجرد إدانة الأفراد، بل يتطلب معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، وتعويض الضحايا، وضمان عدم تكرار الانتهاكات.
وفي الوقت ذاته، يرى مراقبون أن تعاون كوشيب مع المحكمة منذ تسليمه في عام 2020 أتاح للمحققين فرصة نادرة للحصول على أدلة مباشرة وشهادات حاسمة، وهو ما قد يسهم في تعزيز مصداقية الإجراءات القضائية ويؤسس لسوابق قانونية جديدة في ملاحقة مرتكبي الجرائم الجماعية.
بالنسبة لأهالي دارفور، لا تمثل هذه الإدانة نهاية المأساة بقدر ما هي بداية لمسار الاعتراف بالمعاناة الطويلة التي عاشها الإقليم منذ اندلاع النزاع في 2003. فالكثير من القرى التي شهدت جرائم الإبادة والتهجير ما زالت تحمل آثار الدمار، بينما ينتظر الناجون العدالة الكاملة وجبر الضرر.
قضية علي كوشيب تذكير قوي بأن العدالة قد تتأخر لكنها لا تموت، وأن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.
ففي الوقت الذي يستعد فيه قضاة المحكمة لإصدار العقوبة النهائية، تتجه أنظار العالم إلى لاهاي، حيث يكتب فصل جديد في تاريخ العدالة الدولية — فصلٌ يؤكد أن الإنصاف ليس رفاهية قانونية، بل هو حق أصيل للضحايا، وضرورة لحماية الضمير الإنساني من التآكل.
الأمر المؤسف ان دارفور وكثير من مناطق السودان تتلقى هذا الحكم، وجرح البلاد لم يندثر، والنزاع المسلح والتجاوزات والانتهاكات زادت، على سبيل المثال مذابح الجنينة وود النورة والحلفايا ، واستمرار الفشل في في انهاء الصراع المسلح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى