شيخ الامين: “كنا ضحية لطرفي الحرب”.. وحملنا الجثث في “جوالات الخيش”
تعاملت مع الدعم السريع بحكم وجودي بمناطق سيطرته.. والاستخبارات كانت في المسيد
مسيد شيخ الأمين، حكاية التكية التي تحدت الحرب في قلب العاصمة الوطنية أم درمان لتحافظ على الحياة في منطقة يحيط بها الموت من كل جانب، مسيد شيخ الأمين أصبح حكاية إنسانية من قلب السودان، جلسنا اليه ليحكي لنا حكاية مسيد تحول إلى ملجأ وقصة تكية أنقذت آلاف الأرواح من الموت المحقق، ومشاهداته الحية حول وحشية الحرب .
حدثنا في البداية عن انطلاقة عمل التكية داخل المسجد؟
كنا نقيم مائدة رمضان فكانت المخازن ممتلئة وشاءت الظروف اندلعت الحرب وكانت المخازن ممتلئة وفجأة أغلقت ” البقالات”، ولاتوجد حياة في المنطقة إلا في المسجد. ولما أوشكت المواد الغذائية على نهايتها في المخازن تواصلنا مع قادة ارتكازات الدعم السريع، للسماح لنا بالتحرك بحرية لجلب المساعدات وخصصوا لنا فرد، وكنا نذهب إلى سوق ليبيا لجلب المواد الغذائية في ظل معارك مشتعلة، مما أدى إلى مقتل عدد من المتطوعين، وعشنا ظروف صعبة للغاية والتكية إلى الآن تعمل ولن تتأخر.
كم كان عدد المستفيدين من التكية؟
قرابة ال1700 أسرة بمتوسط 5 إلى 7 أفراد للأسرة الواحدة، مع العلم أنه توجد داخل التكية عيادة و صيدلية.
كيف يتم تشغيل العيادة من أين تأتي الأطباء؟
الأطباء من الحيران وكريمتي أيضا ً طبيبة ظلت مرابطة داخل العيادة.
ماذا عن المعارك التي كانت تدور في المنطقة بين الجيش والدعم السريع؟
لدينا فيديوهات لمعظم ما حدث من مآسي وقتل للمدنيين، المسجد يقع في منطقة وسط تفصل بين قوات الجيش والدعم السريع، فكنا ضحية الطرفين، رأيت مناظر سيئة، بسبب وقوع الدانات في منازل المواطنين وفي الطرقات، اذكر أن الحرب حصدت أرواح الكثير من المشردين في شوارع المنطقة وقتل عدد كبير منهم ظللنا ندفن جثامينهم بعد أن نحملها في (جوالات) الخيش لكثرة أعداد الجثث من منطقة الشهداء وأمام مستشفى آسيا.
أين يتم دفن الجثامين إذن طالما انتم محاصرون بهذه الطريقة؟
في منطقة الشهداء توجد مقابر قديمة مهجورة، قمنا بفتحها من جديد واسخدمنها كمدافن.
وماذا عن الضحايا من الأسر؟
شاهدت أسر كاملة تمت ابادتها ودفنت كميات كبيرة من البشر لا تحصي ولا تعد، في ظل مغامرة عجيبة استخدمنا كل الوسائل، كنت نستخدم (التكاتك) في نقل الجثامين من المنازل إلى المسجد حيث يتم تجهيز الجثمان ومن ثم نقله إلى المقابر لدفنه.
من الذي قتل المدنيين؟
عمليات القتل كانت تتم من الطرفين، الدانات كانت تصلنا من الطرفين كانت تقتل الناس لموقعنا في الوسط.
شاهدت لك فيديو يحكي عن مقتل امرأة ونهشت جثتها الكلاب ما القصة؟
القصة أن هذه المرأة قتلت وكان أبناؤها في طريقهم إلينا لخبرونا بالوفاة ونقوم بواجب الدفن لكن في أثناء طريقهم إلينا تم اعتقالهم من الدعم السريع وبقي جثمان والدتهم داخل المنزل حتى أكلتها الكلاب وبقيت العظام فقط، ولما تم إطلاق سراحهم بعد شهر وكانوا في أوضاع صحية صعبة، ابلغونا بالوفاة بعد شهر، أرسلت عدد من الشباب لمنزلهما وجدوا أحد الجيران وأبلغهم أن المرأة أكلتها الكلاب وبقيت عظامها فقط ولم نستطع مواراة الجثمان أو حمايته من الكلاب بسبب القصف المتواصل.
في الأخير دفن العظام وكان منطراً شنيعاً.
هنالك قصة أخرى عن شخص عاجز كنت متعهدين بجلب الطعام إلى منزله بحي ودنوباوي، لما اشتد الاشتباك بين الطرفين لم نستطع الوصول إليه، وبعد 21 يوم دخلنا منزله ووجدناه قد مات وتحللت جثته. وكثير من القصص المشابهة.
كم كان متوسط تردد الحالات على العيادة داخل المسجد؟
كنا يومياً نستقبل حوالي 100 أو أكثر من الحالات المرضية من المصابين والجرحى، وكانت تسجل حالة وفاة ما بين 5 إلى 10 حالات في اليوم من بين المصابين.
هنالك اتهامات لك بالتعاون مع الدعم السريع أو كنت مدعوماَ من الدعم السريع؟
“ابتسم”… لحسن الحظ أن هذه الاتهام كان تأتي من أشخاص لا علاقة لهم بادارة الدولة، ولم يعلموا أن أفراد الاستخبارات العسكرية التابعة للجيش كانت معنا داخل المسجد طيلة فترة الحرب في الخرطوم وكانت ترصد كل شي، لذلك لما وصل الجيش إلى المسجد بعد المعارك، استلموا المسجد والبرهان أمر بمواصلة عمل التكية وتأمين المسجد، وبعد استرداد الإذاعة رجعت المسجد وبقيت هناك حوالي 9 أشهر وبعدها غادرت بطائرة تتبع للجيش من وادي سيدنا إلى مدينة بورتسودان، ومنها غادرت البلاد فلا يمكن للاستخبارات أن تسمح لشخص متعاون بمغادرة البلاد ويستخدم طائرة للجيش.
وهل كنت تعلم بوجود أفراد الاستخبارات داخل المسجد أم كنت تتعامل معهم مواطنين احتموا بالمسجد؟
كنت على علم بهم واعرفهم وعلى تواصل معهم وكانوا متابعين كل ما يحدث داخل المسجد، لذلك كل الحاقدين وأصحاب القلوب المريضة الذين دمغوني بتهمة التعاون مع الدعم لم أكن اهتم بحديثهم لأنني كنت أعرف ماذا يعمل الجيش وكنت على تنسيق مع الاستخبارات. لأنو ناس الاستخبارات كانوا موجودين و(مجيهين شغلتهم) وبرفعوا تقاريرهم ولم تكتشفهم قوات الدعم السريع.
نخلص إلى أنكم لم تتعاملوا مع الدعم السريع؟
لا تعاملنا معهم بحكم تواجدنا في مناطق يسيطرون عليها، كنا نستأذنهم في كل خطوة عن طريق القادة الميدانين الذين تعاملوا معنا بطريقة “كويسة جدا” مع وجود بعض المضايقات. وكانوا يشكلون حماية للمسجد من الشفشافة.
بعد مغادرتك هل لازالت التكية تعمل؟
الحمد لله لأكثر من 800 يوم التكية لم تتوقف ولم تتأخر أي وجبة من الوجبات الثلاث في اليوم ولم يتم دعمها من أي جهة مدعومة من مالي الخاص.
قبل سقوط البشير غادرت البلاد مغاضباً بعد إغلاق مسيدك وفجأة ظهرت أمام محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، ما الرسالة التي كنت تريد إيصالها؟
الرسالة كنت أريد أن أودعها في بريد دولة الظلم وهي ساعة، و دولة العدل إلى أن تقوم الساعة وقد كان، لأنني كنت مظلوم ومطرود من البلاد وكنت معتقل بدون أي ذنب، لذلك سافرت إلى هناك قابلت مجموعة من القائمين على أمر المحكمة ودفعت بشكوى رسمية ضد نظام البشير، لكن ربنا أزال النظام، وكنت وأنا أمام المحكمة متوقع حدوث هزة في النظام ولم أكن أتوقع سقوطه بهذه السرعة.



